لغة الامثال في الكتاب المقدس: مثل الكنز المخفي



ذكر السيد المسيح له المجد في انجيل متى مثل آخر يضاف الى سلسلة الأمثال التي تحتوي الاسرار العظيمة بين طياتها وهذا المثل هو الذي عبر عنه بالـ(كنز المخفي ) حيث جاء في السفر المقدس الاصحاح الثالث عشر هذا النص : ( ايضا يشبه ملكوت السماوات كنزا مخفى في حقل وجده انسان فاخفاه. ومن فرحه مضى وباع كل ما كان له واشترى ذلك الحقل. ) لقد كان المسيح له المجد يحاول دائماً ان يربط تلامذته المخلصين بقضة الملكوت ولان الهدف من رسالة يسوع هي اقامة مملكة الآب المنتظرة ولهذا من الواجب عليهم ان يفهموا كاتباع ملازمين للمعلم الالهي حقيقة وملامح قضية المملكة العادلة التي سيقيمها مسيح الرب مخلص الشعوب ، وان الملكوت والعثور عليه في ظل دعوة الحق هو كالكنز العظيم الذي يعثر عليه الإنسان ويحتفظ به كأنفس موجود على الأرض ، والمقصود من العثور على الملكوت هو معرفة جوهر وروح تعاليم الآب التي وهبها للرجل الإلهي وحقيقة الناموس المقدس الصحيح البعيد عن التعاليم البشرية الوضعية التي يؤسسها رجال الدين والكهنة في كل عصر ، لأن تعاليم البشر الخطائين ليس لها علاقة بناموس وتعاليم الرسالة الحقيقية التي مصدرها السماء ، فالرسالة السماوية تمثل المعين الصافي الذي لا يشوبه كدر ولا يخالطه المزاج البشري ولا التفسيرات الشخصية لنصوص الكتاب المقدس .
ان من يعثر على دعوة الحق التي تخرجه من براثن المؤسسة الدينية التي شوهت الناموس يعرف قيمة ما عثر عليه ويعلم جيداً ان ما وجده هو اثمن شيء في الوجود ولا يمكن مقايضته بأغلى جواهر ولآليء العالم ، لان جواهر العالم ولآلائها تعطي الفرحة الوقتية الزائلة واما معرفة دعوة الحق والالتحاق بها فيعطي السعاة الأبدية والفرحة الغامرة في حياة الأنسان ولا سيما عصر المجيء الثاني والدينونة ، واما معنى عبارة الإخفاء التي يقوم بها الإنسان الذي عثر على الكنز فيقصد منها الخوف على مستقبل هذا الكنز لانه يعلم جيداً ان اكثر العالم سيقف موقف سلبي من كنزه العظيم الذي هو دعوة المسيح العائد لتأسيس ملكوت الله على الارض ، والدليل ما ذكره الأنجيل في سفر يوحنا (روح الحق الذي لا يستطيع العالم ان يقبله، لانه لا يراه ولا يعرفه، واما انتم فتعرفونه لانه ماكث معكم ويكون فيكم.) وقال ايضا في الاصحاح السادس عشر من انجيل يوحنا (قد كلمتكم بهذا لكي لا تعثروا. سيخرجونكم من المجامع، بل تاتي ساعة فيها يظن كل من يقتلكم انه يقدم خدمة لله. وسيفعلون هذا بكم لانهم لم يعرفوا الاب ولا عرفوني. ) ومن هذا نفهم ان علة اخفاء الانسان لفترة من الزمن لملامح دعوة الحق هو لاجل الحفاظ عليها وعلى رجالاتها من بطش الظالمين وتسلط الحكام المتجبرين ولاجل ان لا ترسل الى حتفها المحتوم الى الأبد وهي لا تزال في فجر بزوغ شمسها ، ولان الناس في كل زمان ومكان ترفض الحق واهله وان كان في خلاصهم ونجاتهم الى بر الأمان فالتبعية الى المؤسسة الدينية والولاء للحكام الظالمين هي شيمة عموم الانس عبر التأريخ ودائماً ما تواجه الدعوات الحق بالمحاربة والتكذيب في اول خروجها ، ولكن الكنز المخفي لا يمكن ان يبقى مخفياً الى الأبد لأن الاخفاء له مسببات واسباب كما قلنا وسيأتي زمن يرتفع فيه الخوف على دعوة المسيح وينتهي المسوغ من ابقائها طي الكتمان لفترة طويلة فقد قال يسوع له المجد شهادةً لهذه القضية  : (لان ليس مكتوم لن يستعلن ولا خفي لن يعرف. الذي اقوله لكم في الظلمة قولوه في النور والذي تسمعونه في الاذن نادوا به على السطوح ) ومعنى كلام يسوع له المجد ان كنز القضية الإلهية التي سيخرج من رحمها المسيح المخلص في الأزمنة الأخيرة لن تبقى مخفية الى الأبد ولن تبقى مستورة حتى آخر الأيام بل سيأتي الوقت لكي تعلن لكل الكرة الأرضية ويسمعها كل العالم بكافة اللغات ، واما معنى عبارة (ومن فرحه مضى وباع كل ما كان له واشترى ذلك الحقل ) فيعني ان الانسان المؤمن الذي يتعرف على المسيح العائد صاحب دعوة الحق فانه يفرح الفرح العظيم فيضحي بالغالي والنفيس لاجل ان يمد دعوة المسيح بكل ما عنده من الممتلكات المادية والروحية ولا يبخل على الآب وابنه بشي يدخره عنهما فتصبح قضية ملكوت الرب هي شغله الشاغل وهمه الاول فتسقط كل المتعلقات الدنيوية الزائلة ويواجه العالم كله رغم كل الصعوبات والتحديات لان الضيق في نظر العالم هو في نظر الانسان المؤمن فرح عظيم وابتهاج وسرور وعز وشرف لا يناظره شرف .



0 التعليقات: